قراءة في نظم السلوك للعلامة محمد فال بن باب ... الدكتور محمد الحنفي بن دهاه

اثنين, 10/05/2015 - 00:45
صورة د. محمد الحنفي بن دهاه مع العلامة "اباه بن عبد الله" حفيد مؤلف نظم السلوك

نظم شيخنا القدوة الحجة لسان الطريقة التجانية ومربيها سيدي محمد فال بن باب رضي الله عنه وأرضاه المعروف بـ"نظم السلوك" لم ينظمه دفعة واحدة وإنما كان ينظم منه البيت والبيتين حسب ما تقتضيه الظروف والأحوال ،فربما يأتيه مريد قد تلبس بحال من الأحوال التي تعتري السالك في سلوكه أو المجذوب في حال جذبه وسكره واصطلامه فينظم له بيتا يتضمن تبيين حاله يرشده فيه إلى ما هو الأوفق والأرفق به في تلك الحالة العارضة حتى ينتقل منها إلى ما فوقها وهكذا .

 

وغالبية أبيات هذا النظم إنما هي دلالة وإرشاد في السلوك الصوفي يهتدي السالك بنورها وتقوده إلى أقوم السبل وأوضحها وأقلها غوائل حتى يصل إلى نهايته  كما بينه شارحه العلامة القاضي محمد عبد الرحمن بن السالك بن باب العلوي في مقدمة شرحه للنظم المذكور فهو يقول: "وقد شرحت هذا النظم على وفق مراد الناظم رضي الله عنه لأن مادة نظمه طرق يصل بكل واحدة منها المريد إلى الله تعالى" .

والشيخ الناظم رضي الله تعالى عنه لم يرد في نظمه هذا حصر طرق الوصول إلى الله تعالى وإنما أراد بيان طرق خاصة ليس كل أحد يهتدي لها وإنما يعرفها أربابها من كمل المشايخ المربين أرباب التزكية و التربية وأهل الهمم العرشية العالية الذين جربوا الطريق وسلكوها وعرفوا غوائلها وعقباتها الوعرة الشاقة التي لا يهتدي فيها إلا الخريت الماهر والشجاع الفذ الباسل .

وغرضنا هنا أن نأتي بنماذج قليلة يسيرة من هذا النظم المبارك اقتصرنا عليها وعلقنا بما تيسر مما حضرنا من معانيها وإن كان هذا النظم لا يسبر غوره ولا يدرك قعره .

\التعريف بالناطم :

هو الإمام الحجة المربي النفاع الفقيه الأصولي الطبيب الماهر السيد محمد فال بن باب بن أحمد بيبه بن عثمان بن سيدي محمد بن عبد الرحمن بن الطالب محم بن محمد بن ابيج.

ولد في الضاحية الشمالية الغربية من بحيرة اركيز بأرض الكبلة في مكان يعرف الآن ب"بوعكال" وفي ذلك يقول:

        وكان العقل لي وطنا قديما              وميلادي بجنب أبي عقال

ونستشف تحديد مكان ولادته من المساجلة الشعرية التي جرت بينه مع القاضي محمد عبد الله بن ففا[1] الذي يقول:

فمن كان ذو عقال كان مسقط رأسه     فلا يذكر البترا بشعر ولا نثرا

وقد رد عليه محمد فال بن باب بقوله:

لقلب أخى الأشواق ذكر ولا حجرا               وما يذكر الإنسان فهو به أدرى

 

إلى أن يقول:

وما ذو عقال عن محبة غيره
ولا القلب عن حب المواطن ضائق
 

 

بعاقل ذي عقل ولا ضائق صدرا
ولا هو طبعا مرأة تكره الضرا
 

أما تاريخ ميلاده فقد أجمع من ترجم له بأنه ولد سنة 1265 هـ في بيت علم وأدب تحت رعاية وعطف أبويه اللذين لم يتجاوزا معه الثانية عشر من العمر.

تربى شيخنا محمد فال رضي الله عنه في محيط من العلم والعلماء بين رفوف مكتبة والده التي تحوي من نفائس الكتب ما يزيد على عشرين كتابا، منها ما لا يوجد في غيرها آنذاك[2].

وكان والده القاضي بابه بن احمد بيبه ت 1277 هـ من أكابر فقهاء عصره الذين عليهم المعول وإلى قولهم المرجع في مشكلات العلوم وعويصات المسائل وهو الذي يقول فيه الشاعر محمذن بن سيد أحمد المالكي[3]:

        أيامن إليه المشكلات تؤب              ومن هو إن  ضل الهداة مصيب

حفظ محمد فال بن بابه القرآن وهو ابن ثمان سنين على المختار بن محمد[4] وعنه تلقى مبادئ النحو واللغة والفقه ثم رحل لطلب المزيد فاتصل بالعلامة المدرس المختار بن أبيه الجكني[5] الذي درس عليه النحو وعنه ذهب إلى محظرة ابن عبدم الفاضلي[6] ومكث في محظرته ستة أشهر قرأ على شيخها أطرافا من الفقه وتوسع في معرفة النحو ثم رجع إلى الأهل حيث اتصل بشيخه العلامة المصطفى بن أحمد فال العلوي[7] وقرأ عليه الفقه قراءة معمقة وحفظ في هذه المدة مختصر الشيخ خليل بن إسحاق ورسالة ابن أبي زيد القيرواني[8] وتلقي القراءة عن العلامة محمد عبد الله بن اكتوشن العلوي[9] ولا يبعد أن يكون قرأ على مأمون بن محمد لمين[10].

وبعد هذا سافر إلى محظرة أهل محمد بن محمد سالم[11] فمكث هنالك مدة يحضر دروس شيخها ويستمع تكرار الطلبة بها فأعجب به الشيخ محمد وتوطدت علاقته بابنه العلامة أحمد الذي كان يثنى عليه ويقول عنه إنه جمع بين التدريس والفتوى، ولم تقف رحلته العلمية عند هذا الحد بل ظل يتنقل بين أعلام عصره يكرع في حياضهم ويتروى من سلسبيل معينهم يأخذ ويعطي إلى أن أحاط علما بجميع المعارف السائدة في عصره وزاد هو بمعرفة فنون وعلوم ما كانوا يعرفونها ليصبح في طليعة علماء عصره. وبعد هذا كر راجعا إلى بلاده ومسقط رأسه فقرأ المنطق على شيخه العلامة أحمد بن بدي[12] وأخذ عنه الطريقة التجانية وسنه إذ ذاك دون العشرين فمكث في صحبته عشرين سنة يربيه ويتهذب على يديه، وبعد هذه المدة أجازه في تلقين الأوراد وأذنه في التصدر لإرشاد الخلق، وقد أجازه الشيخ المرشد الناسك سيدي المختار بن محمذن بن بابانا[13] بثبت الحافظ المسند الراوية صالح الفلاني العمري[14] بروايته له عن الشيخ الكبير حسان الطريقة التجانية محمدي بن سيدي عبد الله[15] الملقب بدي عن البدر المنير والكوكب الساطع سيدي الشيخ محمد الحافظ بن المختار لحبيب عن صالح المذكور لما لقيه في حجته بالمدينة المنورة سنة 1217 هـ كما أمره شيخه أحمد بن بدي السالف الذكر بالتصدر للتدريس والفتوى فقبل ذلك بعد امتناع.

وفي سنة 1306 هـ سافر في رحلته المشرقية لتأدية مناسك الحج والزيارة وقد أرخ لرحلته بقوله على طريق الرمز بنقط الحروف:

        وعام شروق قد خرجنا لمشرق           وإن ترد الدنيا فعام قروش

فركب السفينة البحرية من دكار بالسنغال وهو أول من سافر في البحر من أهل هذه المنطقة ـ حسب علمنا ـ وقد حضر لوداعه جماعة من إخوانه وأحبائه وأشفقوا عليه من ركوب البحر وتألموا لفراقة كثيرا فقال في وصف تلك الحالة:

أقول إذ ضم سطح الفلك جملتنا
وقامت السود للأمراس تجذ بها
من بعد ما كرر الإعذار سائسه
وفي الأحبة بعض كان يعجبه
فليحزن إن كان لطف الله خص بمن
إن الذي رد موسى سوف يرجعنا
 

 

باسم المهين مجراه ومرساه
تلقي المراسي بالألواح أعلاه
بالنفخ في الصور يمناه ويسراه
أن لا نجوز مدى الأيام مرءاه
بين الأحبة والأهلين مثواه
حتى تقر بعيد العود عيناه[16]
 

فسلمه الله تعالى من عوائق السفر حتى وصل للديار الحجازية فحج وزار ومكث بالمدينة المنورة إحدى عشر ليلة وقد أشار إلى مدة مكثه على طريقة الرمز بنقط الحروف بقوله:

        بطيبة كانت لنا                 بأي ليـلـة زمن

        أي كما كانت كذا              يا ليتها كانت كمن

ولما أزمع على الفراق قال يتحسر عليها ويبدى شدة شغفه وولوعه بها للإقامة فيها:

مضيت مع الركبان لما تحملوا
وللصخرة الحمرا التي من غدا بها
فللوجه والليتين منى تلفت
فلو كنت قدرت الهوى ثم قدره
بنفسي ومالي لو شريت بوقفة
قليل به بتناه ليل مسرة
 

 

وللقبة الخضراء قلبي جانح
يواجه أركان الهدى ويصافح
وللقلب خفق والدموع سوافح
لسالت بماء الشؤن منى الأباطح
بذاك الحمي والعهد إني لرابح
ويوم به ظللناه صالح
 

وقد قيد مشاهده في رحلة دونها وذكر فيها من لقي من الأعلام وما اطلع عليه من غرائب الكتب يريد منها أن تكون تذكرة ودليلا للمسافرين إلى الحج تعينهم على معرفة الطريق وتجنب عقباتها[17]

و في طريق عودته من الحج مر سيدي محمد فال بالمغرب ومكث فيه شهورا حظي فيها بزيارة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه بفاس حيث يقول في ذلك:

مساكين أبناء السبيل ضيوفكم
فما أنا منكم بالقليل بقانع
ولكن أرجي من بحارك فيضة
 

 

فأوف لنا كيل القرى وتصدقا
ولا راضيا مليء الإناء ولا السقا
تطبق من قاف لقاف فنغرقا
 

وحضر في فاس بعض الدروس التي تلقى في جامع القرويين وتعرف على بعض كبار الأعلام فيها، ومن فاس رجع إلى رباط الفتح ملقيا عصي تسياره في حضرة الفقيه الأجل أوحد أهل زمانه في حل مشكلات العلوم العقلية والنقلية سيدي العربي بن السائح العمري[18] ، الذي فرح بورود صاحب الترجمة عليه.

أقام محمد فال في جوار سيدي العربي بن السايح رضي الله عنه مدة يحضر دروسه في صحيح البخاري وشمائل الترمذي ويخصه من بين الواردين عليه بالتقريب، ويلقى إليه ما لا يلقي إلى غيره، وكان محمد فال بن بابه قد عرف سيدي العربي بن السائح قبل لقيه بواسطة كتابه بغية المستفيد الذي شرح به نظم التجاني بن بابه ـ الأخ الأكبر لمحمد فال ـ المسمى بمنية المريد، وقد وصلت نسخة من هذا الشرح مخطوطة إلى البلاد قبل سفر صاحب الترجمة إلى المشرق بمدة طويلة وقرظه آنذاك بقطعة مطعلها:

        حورا تراءت للعيون فباشرا       خمر الهوى منها العقول وخامرا

وفي الفترة التي قضي مع سيدي العربي في الرباط توطدت علاقة محمد فال بأكابر العلماء من تلامذته مثل العلامة سيدي عبد الله التادلي[19] والعلامة سيدي أحمد بن موسى[20] والعلامة الأديب الكاتب سيدي أحمد جسوس[21] فكان بعد رجوعه إلى وطنه واستقراره ببلاده يراسلهم ويراسلونه .

ولما عزم على العودة إلى بلاده والتوجه إلى مسقط رأسه أسف على مفارقة سيدي العربي بن السائح أسفا شديدا فقال يصف طيب مقامه في جواره وغبطته به:

هذا مقام لا يمل به الثوى
من ضل فيه ركابه مهما يجد
 

 

يسلى عن الأهلين والأوطان
تمرر عليه حلاوة الوجدان
 

وهكذا رجع محمد فال بن بابه إلى بلاده ومسقط رأسه وتفرغ لنشر العلم ومعالجة المرضى وذوي العاهات وتربية المريدين بالتصوف النقي المحررة قواعده وأصوله على ضوء الكتاب والسنة وأخلاق السلف الصالح من القرون الخيرية.

مكانته العلمية:

جمع صاحب الترجمة من فنون العلوم وأنواع المعارف والثقافات المتنوعة ما لم يجتمع لدى غيره من علماء عصره كما سبق أن ذكرنا فقد كان فقيها ضليعا متبصرا ومحدثا ومفسرا وأصوليا بارعا ومؤرخا لا نظير له في معرفة التاريخ وصوفيا أصيلا، وشاعرا فذا مقتدرا، وطبيبا حاذقا وله مع ذلك مشاركة في علوم الأقدمين من الهندسة والحساب فكانت لديه نسخة من كتاب اقليدس[22] في الهندسة يطالعها في بعض الأحيان ويفك رموزها.

 وسأفصل القول هنا في تعامل العلامة محمد فال بن باب مع أهم العلوم المتاحة في بلده بطريقة لم أرها منثورة قبلي عند من ترجم له لنتبين منها المكانة العلمية السامية لهذا الطود الشامخ.

        منهجه في التصوف:

لا خفاء أنه كان من أكابر المشايخ المرشدين الدالين على الله بحالهم ومقالهم ومن عقلاء الرجال موصوفا بالحصانة والرزانة متحليا بالوقار كثير الصمت حليما صبورا ينطق بالحكمة في شعره ونثره ويزن الأشياء بعقله، ويقدر الأمور بعواقبها نير البصيرة صادق الفراسة، يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها ، وهو الذي يقول في شعره:

فطوبي لمن صان اللسان عن الخنى
فذو الشيب ذكر الله نثر كلامه
 

 

ولم يك في غير المهم بلافظ
ومنظومه في العلم أو في المواعظ
 

لا يمضى له وقت في غير طاعة أو عمل من أعمال البر فوقته كله ما بين مطالعة وتقييد وإرشاد ضال وتعليم جاهل ومعالجة مريض، كثير التلاوة لكتاب الله عز وجل يخفي أعمال البر غاية الإخفاء فلا يقدر أحد أن يضبط عبادته لشدة إخفائه لها يكره التكلف ويقول: التصوف كله في ترك الفضول. وقد أخذ على نفسه بالجد وربى عليه تلامذته لا يصحبه أحد إلا تبينت ذلك في سلوكه وأخلاقه كثير الحض في شعره ونثره على الورع وتصفية الأعمال والصدق وإخلاص الوجهة والقصد لله تعالى .

وقد حكم محمد فال بن بابه السنة النبوية على نفسه وجعلها قسطاسا وميزانا لجميع أعماله ، شديد الورع والاحتياط في دينه ومعاملاته كلها، وتحكى عنه حكايات في ذلك كثيرة، كلف بإتباع السلف الصالح وأهل الصدر الأول من الصحابة والتابعين، يحب السير بسيرهم والتخلق بأخلاقهم ويربي مريديه بالحكايات عنهم ومن مأثور كلامه قوله ثلاثة أصناف من الخلق على خطر عظيم وهم المشايخ والمفتون والأطباء.

وكان رحمه الله مؤدب العبارة ينتقي الألفاظ انتقاء حتى في مخاطباته العادية وكلامه مع الناس، ويقول: لا توجد عبارة نابية إلا وفي مقابلتها أخرى مهذبة تؤدى معناها وتقوم مقامها، ينصح المشتغلين بالعلم بالتأدب بآدابه والتباعد عن الأخلاق والعوائد المذمومة ويرى أن ذلك أفضل معين لطالب العلم على ما هو بصدده، لا تجد في شعره ولا في رسائله بسطا مستغني عنه ولا فضولا في التعبير، ومن كلامه: لا ينبغي للعاقل أن يتكلم بكلمه إلا إذا رجا منها حسنة لمعاده ودرهما لمعاشه. ومن أراد أن يقف على المزيد من هذا المعنى فليراجع نظمه لآداب السلوك ـ الذي نحن بصدد التعليق عليه ـ وكذا ديوانه فسيجد من الحكم الصادقة ومن الوعظ والإرشاد والنصائح الثمينة التي لا عهد للناس بأمثالها.

ثناء العلماء عليه:

قال فيه القاضي السالك بن بابه[23] "لقد جمع محمد فال من فنون العلم ما لم يجمعه غيره فهو عربي فقيه نحوي أصولي".

ويقول فيه العلامة محمد المختار بن أحمد فال "لولا اشتغال محمد فال بالتصوف لكان من أمثال القاضي عياض".

وألف القاضي النوازلي محمد عبد الرحمن بن السالك كتابا في مناقبه سماه ترصيع اللآل في مناقب سيدي محمد فال.

آثاره:

رغم انشغالاته بنشر العلم ومداواة ذوي العاهات وأصحاب العلل، وتربية المريدين الواردين إلى حضرته، استطاع محمد فال أن يترك للأمة الإسلامية مؤلفات ذات قيمة في فنون مختلفة وهي على النحو التالي:

 

        1. في الأصول:

        ـ شرح مرتقي الوصول إلى علم الأصول لأبي  بكر محمد بن عاصم .

        ـ شرح باب القياس من كتاب مراقي السعود لسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم

 

        ـ تأليف في العرف والعادة

        ـ رسالة في الفرق بين العالم والمجتهد والعامي.

2. علم الكلام:

        ـ له رسائل وأنظام في مسائله.

       

4ـ الفقه:

        ـ شرح البيوع من مختصر الشيخ خليل

        ـ نظم في الموات وشرحه

        ـ السيف المسلول في المبادلة بالمكيال المجهول

        ـ فتاوي في مواضع متفرقة

        ـ أنظام فقهية في مسائل متنوعة.

 

4ـ في التاريخ:

       

        ـ كتاب التكملة في تاريخ إمارتي لبراكنه واترارزة

        ـ رحلة إلى الحج

 

5ـ في التصوف:

ـ نظم في آداب السلوك وهو النظم الذي نحن بصدد تقديم مقتطفات منه.

ـ رسالة وجهها إلى العلامة حامد بن محنض بابه يوضح له فيها بعض المسائل التي انتقدت على الطريقة التجانية.

        ـ رسائل في الإرشاد والتربية .

 

6ـ في التصريف:

        ـ نظم في الأفعال المشتهرة بالضم والكسر

 

7ـ في الأدب:

        ـ ديوان شعري

وقد دعى باب بن الشيخ سيديا صاحب الترجمة إلى الإنضمام لمجلسه القضائي الذي شكله من أجل التعقيب على أحكام قاضي أبي تلميت آنذاك.

ولئن كان قد أجاب دعوته وتعرض لبعض أحكام القاضي بالتعقيب، فإنه لم يلبث أن اعتزل ذلك المجلس لأسباب من أهمها تدخل الحاكم الفرنسي فيما كان يصدر من أحكام عن هذا المجلس، بالإضافة إلى عامل صحي إذ لم يمكث بعد ذلك إلا يسيرا حتى انتقل إلى جوار ربه سنة 1349هـ ودفن في مقبرة لميلحه[24].

وقد ألف في سيرته وشمائله وعلومه ابن أخيه قاضي العلويين محمد عبد الرحمن بن السالك بن باب مؤلفا حافلا سماه ترصيع اللآل في ترجمة شيخنا الإمام محمد فال.

 

وقد آن لنا الآن أن نشرع في الكلام على ما قصدناه من تعليق على نظم السلوك لهذا الشيخ العظيم فنقول وبالله التوفيق:

موضوع النظم : 

كان سيدي محمد فال رضي الله عنه يقول في نظمه هذا:"التجاني نظم ظاهر الطريقة وأنا نظمت باطنها"، لأن منية المريد نظمها أخوه المتفنن التجاني بن باب وموضوعها أحكام الطريقة وآدابها الظاهرة، وأما نظمه هو فموضوعه  سلوك  آداب الطريقة الباطنة وكيفيته وتوضيح طرقه الكفيلة به وبيان عقبات الطريق وما يعرض لسالكه من الأهوال والمخاطر إذا لم يجد مرشدا كاملا يأخذ بيده و يصحبه في سلوكه حتى يصل إلى ربه "وإن إلى ربك المنتهى" وهذا النظم على اختصاره ووجازة ألفاظه خلاصة تجربته في طرق الإرادة وقد انتقى منها أقربها وأسهلها في بلوغ المقصود وحصول المأمول وهو لا يتجاوز أربعة وأربعين بيتا.

تقديم النظم :

استهل العلامة محمد فال بن باب نظمه وبدأه بالترغيب في ذكر الله تعالى وإدمان تعاطيه لأن الورد التجاني عبارة عن الاستغفار و الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الكلمة المشرفة لا إله إلا الله.

كما قال في بعض قصائده التي ينصح بها المنكرين على الطريقة :

يدل على التقوى ولم يك ورده           على شأن الاستغفار والذكر زائدا

سوى بعض آيات الكتاب أوانه           يصلي على من جاء بالحق شاهدا

بذا أمر المولى فمن عنه قد نهى         يكـــــون لأمر الله جـــل معــاندا

فلهذا أمر رضي الله عنه وأرضاه بإدمان تعاطي هذا الورد المحمدي الشريف الأحمدي المنيف قائلا :

اعلم بأن ذكر هذا الورد          نهج إلى الوصول عينا يهدي

فأركان الورد الثلاثة التي سبق بيانها قد امتلأت بطون الكتب الحديثية ومصنفات أهل السنة من الحث عليها والترغيب فيها بما لا مزيد عليه وألفت في بيان فضائلها وخواصها كتب كثيرة لا يجهلها أي مسلم ولا يكابر فيها من أعمى الله بصره وبصيرته وطبع على قلبه بطابع الحرمان ولا يماري مسلم عاقل سلم الهوس واختلاط العقل في أن تعاطيها وإدمانها قائد بأذن الله إلى الفوز والفلاح والسعادة الدائمة في الدنيا والآخرة ثم قال رضي الله عنه وأرضاه  :

بل المدار عندهم عليه في          تزكية النفس بلا توقف

يعني أن المدار في طريقتنا هذه الأحمدية المحمدية بعد التزام هذه الأذكار التي رغب فيها الشارع وحث عليها صلوات الله وسلامه عليه وورد الحض عليها والترغيب فيها في غير ما آية من  آيات الذكر الحكيم بأن يلتزم المريد الذي تقلد عقد هذه الطريقة وعهدها بطهارة قلبه من أوساخ الغفلات و المخالفات وتنقيته من جميع الأمراض المعنوية التي تعوق سيره إلى الله تعالى وربما تقطعه عن الوصول وهي كثيرة مثل الغل والحسد والرياء و الكبر والعجب و رؤية الفضل على الغير واحتقار خلق الله تعالى والازدراء بهم وغير ذلك فهذه كلها أمراض فتاكة وأدواء قاتلة ، قال الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه أن من لم يتب منها يخشى عليه من أن يموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى ، وقد بسط الكلام فيها وفي أدويتها وبيان علاجها حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رضي الله عنه في ربع المهلكات من كتابه "إحياء علوم الدين " وكذلك شيخنا الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه في رسائله ونصائحه فلتراجع في الكتابين المذكورين ففيهما الدواء والشفاء بإذن الله تعالى لمن استعمله على طريق السنة المحمدية والمنهاج النبوي القاصد .

ويحث رضي الله عنه وأرضاه على الحضور والخشوع وتدبر معاني ما يقرأ في صلاته وأوراده ليشتغل القلب بذلك عن الجولان في أمور الدنيا وليسد عنه أبواب وساوس الشيطان وما يلقيه في قلب المصلي والذاكر من الخواطر والوساوس ليشوش عليه قلبه ويكدر صفاء وقته بوقوفه بين يدي الله تعالى حتى ينصرف من صلاته لا يدري كم صلى ، ففي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم " إن العبد لا يكتب له من صلاته إلا ما عقل منها" ويقاس على ذلك أوراده وأذكاره التي أخذها بإدامة التزامها إلى أن يموت عليها، ويضرب لعدم الحضور في الأعمال وجولان القلب وقتها في أمور الدنيا وعمارة الفكر بالخواطر النفسية الرديئة بأن مثاله مثال من أهدى لملك من الملوك جارية ميتة وهو مع ذلك ينتظر من الملك مكافئة عليها ، فهذا أقرب إلى الاستهزاء بالملك والاستهانة بقدره وهو رابح إن سلم من العقوبة .

قال رضي الله عنه وأرضاه في هذا المعنى :

وفي الحضور في الصلاة اجتهدي           لاسيما فاتحة فيها اجهدي

إن الحضور هو روح العمل                بغير ما تقول لا تشتغل

جارية ميتة من أهــــــــــــدا                ها لأمير بيسما قد أسدا

ثم ينبه رضي الله عنه وأرضاه إلى أمر هو من آكد الأمور في طريقتنا بل هو الركن الأعظم فيها ولا يصح لأحد أن ينتسب إليها ولا أن يكون من أهلها بدونه ، ألا وهو صحة السند وذلك بأن يكون متصلا بالشيخ رضي الله تعالى عنه دون انقطاع لأنه أبوة في الدين لابد فيها من صحة الروابط ولم يزل الصوفية رضوان الله عليهم يراعون هذا الشرط ويؤكدون عليه فكما  أن أبوة الطين لا بد فيها من الثبوت الشرعي فكذلك أبوة الدين بل هي آكد لأنهم يقولون من لا أب له في الطريق فهو دعي على التحقيق ، قال رضي الله عنه :

 

وصحة الإسناد قد تعين         وليس بالسواء من يلقن

ثم يشير رضي الله عنه وأرضاه إلى أن مبنى طريقتنا هذه الأحمدية المحمدية وأساسها المحكم الذي يقوم عليه بناءها هو تقوى الله تعالى في السر والعلن ثم الفرح بنعمه الظاهرة   و الباطنة والحسية والمعنوية الواردة على العبد من مولاه تبارك وتعالى فبهاتين الخصلتين يرتقي العبد بإذن الله تعالى إلى مقام الولاية و تصحبه من الله العناية .

فإحكام أساس التقوى هو السلم الذي يُرتقى به إلى إدراك علوم الكبار ويشرف منه على فهم دقائق الأسرار ، فعلوم أهل الله تعالى لا تتحقق لأحد إلا بإحكام مقام التوبة ولا يتحقق مقام أهل التوبة إلا بإحكام أساس التقوى في الظاهر والباطن والسر والنجوى وهذا هو الذي أشار إليه بقوله :

أُسُّ طريق شيخنا المقوم         هو التقى وفرح بالمنعم

ثم هو رضي الله عنه وأرضاه يحذر أشد التحذير وينفر أعظم التنفير من صحبة من لا ترضى صحبته ومخالطة من لا ترضى مخالطته قال تعالى:"الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ". وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : وهل يفسد الناس إلا الناس ، فالفساد بالصحة متوقع كما أن الفساد فيها متوقع وكان شيخنا الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه يحذر كثيرا من مخالطة أقران السوء ويستشهد كثيرا بقوله صلى الله عليه وسلم "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " ويقول :

اختر لصحبتك من أطاعا         إن الطباع تسرق الطباعا

وفي الحلية لابي نعيم عن بعضهم قال في قوله تعالى :"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم  النار " إن النار في الآيات نار القطيعة ، وهذا على طريق أهل الإشارات.

 وفي الحكم العطائية " لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله "فالصحبة مطلوبة للتعاون على البر والتقوى ولذلك حث عليها الله تعالى في قوله جل من قائل : "واتبع سبيل من أناب إلي " وقال صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله بعبد خيرا رزقه صديقا صالحا إذا نسى ذكره وإذا ذكر أعانه ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء ، وقال الشيخ زروق وسياقه كأنه عن أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أوصاني خليلي فقال لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله ولا تجلس إلا حيث تأمن غالبا من معصية الله ولا تصحب إلا من تستعين به على طاعة الله ولا تصطف لنفسك إلا من تزداد به يقينا وقليل ما هم ، ومصداق هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثا " الحديث ، قال رضي الله عنه وأرضاه في هذا المعنى :

لا سيما إن كانت الجماعة ==== كثيرة لم تجتمع لطاعة

فاجعلهم مثل السنا يجتنب ==== وهو لأجل علة قد يشرب

والمعنى أنه يخالط الناس بقدر ما تدعو ضرورته إليهم لأن الدواء لا يشربه إلا المريض ولو شربه الصحيح لأمرضه، هذا إذا كانت الجماعة لم تجتمع لطاعة من الطاعات ، أما إذا اجتمعت على طاعة كمجالس العلم والتذكير والوعظ والإرشاد وتدبير أمور المسلمين ونشر فضائل العلماء والصالحين والإشادة بمحاسنهم ، ففي حضور أمثال هذه المجالس خير كثير وأجر وفير ، قال سفيان بن عيينة رضي الله عنه عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمات قال الشاعر:

اسرد حديث الصالحين وسمهم === فبذكرهم تتنزل الرحمات

واحضر مجالسهم تنل بركاتهم === وقبورهم زرها إذا ما ماتوا

وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه الحكايات عن الصالحين وما كانوا عليه من الجد والاجتهاد في عبادة الله أحب إلي من كثير من العلم.

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه:

أحب الصالحين ولست منهم ==== لعلي أن أنال منهم شفاعة

وأكره من بضاعته المعاصي ==== وإن كنا سواء في البضاعة

وقد أجابه بعض العلماء بقوله

تحب الصالحين وأنت منهم ==== محب القوم يلحق بالجماعة

وتكره من بضاعته المعاصي === وقاك الله من تلك البضاعة

وفي المنظومة هذه يحض ويغري العلامة محمد فال بن بابه بمحبة الصالحين وصحبتهم وموالاتهم ويقول إنه على قدر محبتهم وصدق الولاء فيهم يكون النفع منهم كما تشهد بذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة كقوله صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب"، وكقوله صلى الله عيه وسلم أنت مع من أحببت ، ومثل قوله عليه الصلاة والسلام "من أحب قوما حشر معهم"، وكحديث نعيمان رضي الله عنه لما أوتي به سكرانا فأمر صلى الله عليه وسلم بإقامة الحد عليه ثم جيء به بعد ذلك عدة مرات فلعنه بعض الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم "لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله". وشواهد هذا في كتب السنة كثيرة ووقائع الصحابة رضوان الله عليهم التي  تدل على هذا المعنى لا تكاد تنحصر ، ويقول ساداتنا الصوفية نفعنا الله بمحبتهم والتسليم لهم إن الانتفاع بالشيوخ المربين الدالين بكمال الصدق والوفاء على الله تعالى مشروط بكمال محبتهم ومودتهم وموالاتهم في الظاهر والباطن وعدم الانحراف والميل عن منهج سلوكهم ، فربط القلب بالمحبة الكاملة هو الذي يطوي البعد بين المريد والشيخ فيحصل الانتفاع وهذا هو الذي أشار له رضي الله عنه وأرضاه بقوله:
قدر المحبة يكون النفع ==== وقد يجيء إثر خفض رفع
وقوله رضي الله عنه وقد يجيء إثر خفض رفع .... إلخ يشير إلى أن المحبة تلحق الناقص بالكامل كما يشير إليه حديث أنت مع من أحببت . وفي حديث ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله عليه وسلم أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه لا يطرف، فقال له: "مالك يا ثوبان" فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أتمتع من النظر إليك. فإذا كان يوم القيامة رفعك الله بتفضيله فأنزل الله تعالى " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا" فدعا به فقرأها عليه.

وقد أشار لهذا المعنى بعض الصالحين قائلا ما معناه أن المحبة تطوى بها المسافات الشاسعة الشاقة وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ...إلخ  وهو نفيس.

وهذا ينبأ عن شفوف درجة المحبة وسمو مكانتها وارتفاع رتبتها حيث ألحقت الناقص بالكامل وارتفع بيمنها وبركتها إلى درجات المقربين المحبوبين عند الله تعالى من هو خامل ولعل هذا المعنى الشريف هو ما أشار له رضي الله عنه وأرضاه بقوله:

وربما غرق في التيار === من يأمل النضح لفيض جار
فترى الشخص وغاية بغيته ونهاية منيته وأمله أن يحصل على القليل النزر من العطاء فإذا هو غريق في لجة يم زاخر الماء تتقاذفه الأمواج قد ملأ الماء عينيه وأذنيه وولج من جميع منافذه . كما قال رضي الله عنه وأرضاه في بعض قصائده التي هنأ بها شيخ الطريقة وإمامها الحامل للوائها سيدي أحمد بن بدي رضي الله عنه وقد قدم من سفر بعد غياب طويل عن القبيلة العلوية :

هكذا أنت يا عظيم العطايا === فضلك الجم ما له من نفاد
ترزق الضب فارغا عند جحر === وتنيل المراد فوق الوساد
رب خصب بلا سما وخشاش === وعُليانَ دون خرط القتاد

وفي الحديث المتفق على صحته في فضل حلق الذكر يقول الله لملائكته: "أشهدكم أني قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا .قال فيقولون رب فيهم عبد خطاء إنما مر فجلس معهم فيقول وله قد غفرت ،هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، ينال ما نالوه إكراما لهم وإن لم يشاركهم في أصل الذكر.اهـ

ثم نبه رضي الله عنه وأرضاه إلى أن السير إلى الله بقطع عقبات النفوس وتخطي عقباتها وتجاوزها، إنما هو سير قلوب لا سير أبدان فالله تعالى لا يعبد بمجرد حركات الجوارح بل لا بد من مراعاة أحوال القلب ومراقبته وتطهيره من أوساخ الغفلات وتنظيفه من أمراضه
حتى يطهر وينظف ويصلح لمراقبة الله والصدق في خدمته فالقلب بيت الرب والبيت إذا لم يتعاهد بالكنس والتنظيف في كل وقت تجتمع فيه الأوساخ و العفونات فيكون غير صالح للسكنى وفي الحديث الشريف "إن الله لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم ، فالقلب هو محل نظر الرب وقبيح بالعبد أن يحرص في كل يوم على تنظيف بيت سكناه وتنقيته من الأوساخ والقمامات ويترك قلبه الذي هو محل نظر ربه محشوا بها.
وفي الحديث الصحيح "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"، فلابد إذا من تطهيره وتزكيته ليستنير بأنوار ربه، وفي قوله تعالى "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب": أي قلب طاهر زكي نقي خال من الأوساخ و الكدرات  صالح لتلقي الأنوار والعلوم والواردات الربانية و الفيوضات الإلهية، وهذا ما أشار إليه رضي الله عنه وأرضاه بقوله :
وسيرها بالقلب لا بالبدن ==== إذ ذا على ذاك صلاحه بني
ثم نبه رضي الله عنه وأرضاه إلى أن سالك هذا الطريق والمنتمي إلى هذا الفريق لا بد له من الصدق وإخلاص الوجهة في طلب الحق تبارك وتعالى بدوام الطلب منه والإقبال عليه والعكوف على بابه و اللجوء في كل الأمور إليه محبة واستنادا وتوكلا ورغبة ورهبة وإلا كان كاذبا في دعواه كما في الحديث الشريف في وصية النبي صلى الله عليه وسلم  لابن عباس  رضي الله عنهما قال " يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام ورفعت الصحف فقال رضي الله عنه :

غير الإله القلب منه طهر === ما فيه من نفع ولا من ضرر
منه رجاك اقطع ولا تدبر ===  وسلم الأمور للمـــــــــــــقدر

ومثل هذا كثير في شعره كقوله:

فهب يا مسكين من سكر الكرى ====  ولتك من رعونة النفس برا
وما سوى الإله فانبذ بالعرى ==== والنفع لا ترم به و الضررا

ونبه أيضا رضي الله عنه إلى أن العبد إذا وفقه الله تعالى لفعل طاعة من الطاعات أو عمل قربة من القربات  فعليه أن يشهد أن ذلك من توفيق الله وإعانته له على تلك الطاعة حتى أداها على الوجه المطلوب ولا ينسب ذلك لنفسه وإلا لو خذله وثبطه ما كان يصنع ،وهذا نص حكمة من حكم ابن عطاء الله حيث قال "لا تطلب عوضا على عمل لست له فاعلا ، يكفي من الجزاء لك على العمل أن كان له قابلا ، وقال أيضا : "إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق ونسب إليك اهـ

وقال هو في النظم :

وإن فعلت طاعة فاعتقد === ذلك فعل ربنا فلتحمد

إذ فعله تفضلا قد نسبه === لك لتغتبط بما قد وهبه
 

مصادر النظم :

محتويات هذا النظم مأخوذة من كلام الشيخ التجاني رضي الله تعالى عنه فبعضها في وصاياه ورسائله وبعضها في جواهر المعاني ، وأما من كلام الأصحاب الذين شافهوا الشيخ وتلقوا منه ما تلقوا وأما من كلام أكابر تابعيهم المتلقين من الأصحاب ما تلقوه من الشيخ رضي الله تعالى عنه  وإما من كلام الإمام سيدي العربي بن السائح رضي الله عنه في بساط التربية وهذه هي أكثر مستنداته وربما نظم كلاما لبعض الأكابر يكون جاريا في هذا المجرى مثل حكم ابن عطاء  الله و الشيخ زروق في قواعده رضي الله عنهما إلخ".

 

 

 

                        

 

[1] ـ عالم جليل وشاعر مفلق توفى سنة 1362 هـ.

[2] ـ راجع ترجمة المؤلف في مقدمة تحقيق شرحه لمرتقي الأصول، رسالة تخرج من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية سنة 1986ـ1987/ للسيدين محمد سعيد بن بدي وعبد الله بن اسلمو.

[3] ـ توفي في القرن 13 هـ.

[4] ـ توفى نهاية القرن 13 أو بداية القرن 14.

[5] ـ توفي بداية القرن 14.

[6] ـ فقيه ونحوي متميز من قبيلة أولاد ديمان له طرة على ألفية ابن مالك توشيح على نظم البدوي (700) بيت ونظم العروض وأنظام نحوية كثيرة وهو دفين مقبرة تافرنانيت في منطقة اركيز توفي سنة 1286 هـ.

[7] ـ فقيه متميز من قبيلة ادوعل أخذ الأصول على محنض بابه بن اعبيد له التحفة شرح انكحة مختصر خليل وشرح نظم المفيد في القفه لابن الخرشي التندغي وكتاب مقنص الشوارد كان من العلماء العلويين الذين حضروا مجلس سيدي بن محمد لحبيب في شأن الشيخ سعد بوه، توفي 1285 هـ.

[8] ـ آخر المتقدمين من المالكية ت 360 هـ.

[9] ـ توفي بداية القرن 14.

[10] ـ توفي سنة 1317 هـ.

[11] ـ توفي سنة 1302 هـ.

[12] ـ قال عنه عبد الوهاب بن منصور في كتابه أعلام المغرب العربي ج8 ص180: فقيه صوفي من أعلام قبيلة ادوعل كان ذكيا نبيها مولعا بمطالعة الكتب خلف والده علما وعملا وتربية، برز في الفقه وانتهت إليه الفتوى فيه وله مؤلفات متنوعة المواضيع توفى سنة 1322 هـ.

[13] ـ ت في سنة 1299 هـ خليفة سيدي مولود فال اليعقوبي وكان رحمه الله رمزا للعلم والصلاح والامتثال والاجتناب.

[14] ـ صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله العمري المعروف بالفلاني عالم بالحديث مجتهد من فقهاء المالكية من أهل المدينة المنورة وكانت وفاته بها 1218 هـ.

[15] ـ قال عنه صاحب الوسيط: كان وحيدا في العلم والصلاح وله اليد الطولي في العربية والفقه والبلاغة وكان غاية في جودة الشعر ولولا ما هو متصف به من العبادة والإشتغال بطريق الصوفية ما اشتهر في قطره أحد سواه بالشعر، وقال عنه سيدي العربي بن السائح في كتاب البغية في ترجمة التجاني بن بابه: وأخذ الطريقة عن العلامة الأوحد الفاضل الأمجد أبي عبد الله سيدي محمد المدعو محمدي الملقب بالخليفة لقيامه بالخلافة في إعطاء الطريق، بعد وفاة شيخه سيدي محمد الحافظ رضي الله عنه وله خمسة جدود كل واحد منهم أعلم أهل زمانه اهـ، توفي رحمه الله سنه 1264 هـ.

[16] ـ انظر الديوان بتحقيق الأستاذ السيد بن أحمد (المدرسة  العليا للأساتذة)

[17] ـ حقق هذه الرحلة الأستاذ محمد فال بن شماد قال بها إجازة المتريز من المدرسة العليا للأساتذة.

[18] ـ قال عنه الحاج أحمد سكيرج: هو العارف الذي جرت ينابيع المعارف من صدره، البحر المتلاطمة أمواج علمه وسره الولي الشهير والقدوة الكبير العارف بالله والدال عليه في سره ونجواه أبو المكارم الشيخ سيدي محمد العربي بن السائح الشرقي العمري نسبة التجاني مشربا توفي سنة 1309 هـ، انظر كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب، ص213 إلى 225.

[19] ـ توفي سنة 1336 هـ.

[20] ـ توفي سنة 1328 هـ.

[21] ـ توفي سنة 1331 هـ

[22] ـ فيلسوف رياضي يوناني، شيخ افلاطون، وهو أبو الهندسة ذات البعدين.

[23] ـ العلامة القاضي السالك بن بابه بن احمد بيبه توفي سنة 1333 هـ.

[24] ـ راجع ترجمته في الكتب التالية:

1ـ ترصيع اللآل في مناقب سيدي محمد قال للعلامة محمد عبد الرحمن بن السالك مخطوط مكتبة أهل أباه النباغية.

2ـ  مقدمة تحقيق الأستاذ السيد بن أحمد لديوان صاحب الترجمة المدرسة العليا للأساتذة.

3ـ مقدمة تحقيق شرح مرتقي الوصول لصاحب الترجمة للأستاذين محمد سعيد بن بدي وعبد الله بن اسلمو.

4ـ مكانة أصول الفقه في الثقافة المحظرية ص196إلى 200.

5ـتراجم المجموعة الكبرى الشامللة ...مصدر سابق