خواطر حول مؤتمر السلام العالمي في دكار

أربعاء, 08/26/2015 - 13:41

 

خواطر حول مؤتمر السلام العالمي في دكار

الدكتور محمد الحنفي بن دهاه/ منسق وحدة التصوف وأستاذ الفكر والحضارة الإسلامية بكلية الآداب/ جامعة نواكشوط

لا يعرف الكاتب أو الباحث من أين يبدأ كلامه أمام الحملة المغرضة التي يشنها أعداء الأمة الإسلامية على ديننا الحنيف ، وما ألصقوه به من تهم هو منها براء، فالإسلام الذي بعث الله به البشير النذير الرحمة المهداة صاحب الخُلق العظيم، والفضل العميم صلى الله عليه وسلم، ليخرج البشرية من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان وحلاوة الإحسان، هو دين التسامح والمسالمة والمحبة، ولا علاقة له بالغلو والتطرف والجفاء والتشدد، ولا يحتاج الكاتب إلى كبير جهد ليثبت بالأدلة القطعية براءة الإسلام مما نسب إليه من ذلك ظلما وزورا. فالنصوص القرآنية والأحاديث القدسية والنبوية طافحة بما يرد شبه المعتدين ويفضح حقد الحاقدين، الذين يريدون حجب الشمس بغربال، "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره". صدق الله العظيم

 وأمام الوضعية التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم وما تشهده من حروب عصبية قطعت الأرحام، وتشدد أعمى قطع الرقاب، وجاهلية دهماء حيرت ذوي الألباب، يجب على قادة الرأي وحملة الفكر وصناع القرار مضاعفة الجهود وزيادة التعاضد والتشاور والتعاون من أجل تغيير هذا الواقع المرير الذي جعل من "الأمة الوسط"، "خير أمة أخرجت للناس"، طوائف متناحرة يتفرج عليها أعداؤها في غاية الفرح والسرور، ويخططون بإحكام لاستنزاف ثرواتها وتقسيمها إلى دويلات "لا حية فترجى ولا ميتة فتقبر".

ومن هذا المنطلق جاءت الدعوة الكريمة لــ "مبادرة مدينة باي من أجل السلام" (جمعية أنصار الدين) إلى مؤتمر السلام العالمي الذي انعقد في دكار أيام   28 ، 29 يوليو 2015، تحت عنوان: "إسهام الإسلام في السلام العالمي الدائم"  وهي دعوة موفقة تعكس حجم وعي أصحابها بالمخاطر المحدقة بالأمة ووجوب المبادرة إلى بحث الحلول الناجعة لمواجهتها، ولاغرو أن يصدر مثل هذه الدعوة ممن ورثوا القوة في الحق وحمل هموم الأمة من رجل كانت حياته كلها جهاد في سبيل الله ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة حتى استحق بجدارة لقب شيخ الإسلام الشيخ ابراهيم بن الحاج عبد الله انياس.

وما يك من خير أتوه فإنما         توارثـــــــــه آبــــــــــــــاء آباءهم قبل

وهل ينبت الخطي إلا وشيجه     وتغرس إلا في منابتها النخل.

لقد كان مؤتمر دكار فرصة ثمينة تلاقت فيها القيادات الروحية والسلطات التشريعية والتنفيذية والسياسية لمناقشة أمر يتفق الجميع على أهميته، وهو نشر ثقافة السلام في العالم وتكريس القيم الإسلامية السمحة التي تدعو إلى المحبة والأخوة في الله تعالى، وقد كانت كلمة الرئيس السنغالي ماكي صال في هذه القمة موفقة غاية التوفيق، بشقيها الفرنسي والولوفي، وقال فيها بالحرف الواحد: "إن إحلال السلام في العالم لا يمكن دون تضافر جهود رجال الدين ورجال السلطة وإدراك الجميع للمسؤوليات المشتركة الملقاة على عواتقهم"، وقد حملت هذه الكلمة شحنة إيمانية قوية؛ قال لي بعض الحاضرين إن الرئيس ماكي صال ربما اكتسبها من زيارته لقرية النباغية المحروسة التي كان أول نشاط له بعد زيارتها هو افتتاحه لمؤتمر السلام.

وقد عكست الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية للمؤتمر وانعقاده تحت رئاسة الرئيس السنغالي ماكي صال، ومشاركة الدولة النيجيرية وحضور وفود رفيعة المستوى من مختلف قارات العالم وخصوصا من موريتانيا ودول الجوار الإفريقي، بادرة خير توحي بإدراك حجم المسؤولية في التنسيق بشأن المصالح العليا بين هذه القيادات والقيادات الروحية التي لا يخفى مالها من دور هام يكمل ويدعم دور السلطة التنفيذية في القارة الإفريقية.

وقد خرجت من هذا المؤتمر بجملة ملاحظات سأدونها هنا باختصار شديد:

1 ـــ  تأهل وانسجام ووحدة أسرة شيخ الإسلام الحاج ابراهيم انياس في إدارة هذا المؤتمر كما عكس ذلك مستوى التمثيل المحترم الذي جسده خليفتها العام الشيخ التجاني انياس بمواكبته لافتتاح المؤتمر واختتامه.

2 ــ   التمثيل المشرف لموريتانيا سواء تعلق الأمر برئاسة الجلسات، أو المداخلات، أوإدارة الحوار، أو على مستوى النقاش خلال الجلسات العلمية، وصولا إلى طبيعة وقيمة المشاركين.

3 ــــ سجلت بإعجاب مداخلة وزير الأوقاف المغربي الدكتور أحمد التوفيق في رئاسته للطاولة المستيدرة حول الأفكار والأعمال السلمية لفضيلة الشيخ ابراهيم انياس حيث قال إن المقصود بكل الأعمال التي قدمت في هذه الطاولة هو البحث عن النموذج والقدوة، وهو متوفر في شخص الشيخ ابراهيم انياس.

4 ـــ الاكتفاء الذاتي للمدرسة الإبراهيمية من الناحية العلمية، حيث لاحظت أن كل المتدخلين المبرمجين من أنحاء العالم كانوا من هذه المدرسة، ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا من دعت الضرورة لتدخله من الضيوف الرسميين، ـــــ وطبعا لم يخل هذا بالقيمة العلمية للمؤتمرــــــ نظرا لكفاءة المشاركين .

5 ـــ لقد كان البيان الختامي لمؤتمر السلام في دكار مميزا غاية التميز فقد خصصت جلسة علنية لمناقشته وتمت صياغته بطريقة شفافة وفتح المجال للمشاركين لإبداء ملاحظاتهم عليه وتم دمج الملاحظات المهمة في البيان بحضور الجميع، وهذا مخالف لكثير من المؤتمرات التي يكون البيان الختامي فيها معدا سلفا ولا يضاف له شيء من الأفكار التي تمخض عنها المؤتمر.

6 ــــ لم يكن لي سابق معرفة بالشيخ محمد القرشي بن الشيخ ابراهيم انياس، ولكن حضوره المتميز في جميع جلسات المؤتمر وإصراره على الإشراف المباشر والمشاركة بصفة شخصية ولدا لدي انطباعا إيجابيا عن شخصيته إضافة إلى الانطباع المسبق عن أسرته الكريمة ومحيطه المعرفي.